¤ الســؤال:
في بعض الأيام والشهور أترك الصلاة، ولا أستطيع أن أصلي، لا أدري لماذا؟ أريد حلاً لمشكلتي أرجوكم..
* الجــواب:
بسم الله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة! أشكرك ابتداء على اهتمامك بأمور دينك، وحرصك على الحفاظ على فريضة الصلاة.
أما مشكلتك فتتلخص في أمور منها:
ـ ترك الصلاة لفترة زمنية قد تصل لأيام أو بعض الشهور.
ـ عجزك عن المواظبة على الصلاة بإستمرار.
ـ جهلك بأسباب هذا العجز والتهاون بفريضة الصلاة.
أما الحلول التي أقدمها لمشكلتك فتتلخص كذلك في أمور أساسية وهي:
=أولا: إستشعارك لقيمة الصلاة ومكانتها العظيمة في الإسلام، ومعرفتك بفوائدها ومنافعها، فهذا سيدعوك للحفاظ عليها، وعدم التهاون بحقها، ويكفيكِ أن تعلمي أن الله عز وجل أمر بالمحافظة عليها في سائر أحوال العبد، سواء في حالة السفر، والحضر، والسلم، والحرب، وفي حال الصحة، والمرض.
ومن عظمتها وقيمتها:
= أن الصلاة هي عماد الدين وركنه الأساس بعد الشهادتين، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة».
= وهي الفاصل بين الحق بين الكفر والإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر»، ويقول عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة».
= وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن قُبلت قُبل سائر العمل، وإن رُدَّت رُدّ.
= وهي الأمارة الدَّالة على حسن إسلام المرء، ومحبته وطاعته لخالقه.
= وهي من أسباب تطهير العبد من سيئاته، ورفع درجاته، وزيادة حسناته.
= وهي من أسباب سمو النفس عن الدنايا والخطايا، وعن التعلق بالشهوات والفتن الضارة بالنفس والبدن، فهي وقاية ووجاء من أمراض القلوب ومكدراته.
= وهي من أسباب علو الهمة، وقوة العزيمة، وغذاء الروح الذي لا ينضب معينه.
= وهي الزاد على الطريق، يتزود منه القلب فيضيء وتنجلي أصداءه، والصدر فينشرح، والخاطر فيصفو، والنفس فتسكن وتطمئن، والروح فتسعد وتبتهج، فينجلي الهم والغم.
وهذه بعض قطوف الفوائد، وهي غيض من فيض، ولكنها من أسباب ضمان الصحة النفسية والعضوية، والسلامة من الأمراض الباعثة للآلام.
=ثانيا: عليك أختي الكريمة أن تربطي محافظتك على صلاتك بالأمانة التي حملك الله حفظها، وبغاية جليلة وهي إمتثالك لأمر إلهي لا بشري، وأداؤك لواجب وحق لمن جعلك خليفته على الأرض، فعليك أن تبلغي هذه الأمانة ولا تتهاوني بحقها، مصداقا لقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43]، وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} [النساء:103]، وقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت:45].
=ثالثا: إستحضري العقوبة الشرعية التي تنتظر كل من يتهاون بالصلاة أو يفرط في أدائها، أو يتكاسل عنها، فهذا سيبعث في نفسك الرهبة والخوف من الله.
=رابعا: إستعيني بالأسباب التي تحثُّكِ على الحفاظ على صلاتك في كل الأوقات، ومنها:
• إشحذي نفسك بالثقافة الدينية، وفقِّهي نفسك بمعرفة ثمرات الصلاة وفضائلها.
• هيئي نفسك قبل الإقبال على أي طاعة، أو عمل صالح، أو عبادة لله، بتصفية النفس والقلب والروح والجوارح من الذنوب والمعاصي، فهي تثقل النفس، وتصيبها بالأمراض، وتحملها على الكسل والتهاون، واعلمي بأن الصلاح لا يبدأ إلا من الداخل قبل أن ينعكس على الخارج، حينها ستجدي نفسك تتحرك بالله ومع الله.
• أصلحي ما بينك وبين الله، ليصلح ما بينك وبين عباده، وما بينك وبين النجاح في أعمالك كلها، والصلاح يقوم على دعامتين أساسيتين هما الإخلاص والصدق في الحب والطاعة لله رب العالمين، حينها سيرتقي عندك الإحساس بالمسؤولية والالتزام بأداء الحق والواجب مع الله، والمواظبة على أداء كل فريضة فرضها الله عليك خاصة فريضة الصلاة، ويصير عندك همة وعزيمة قوية على مجاهدة النفس وردع جماح شهواتها.
• ألحِّي في الدعاء وطلب المعونة من الله، فهذا سلاحك في الإنتصار على هوى النفس، وثباتك على الحق، فهذا دأب الصالحين والأنبياء والمرسلين، فقد كان إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام يقول في دعائه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} [إبراهيم:40]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عقب صلاته: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
• أكثري من الأعمال الصالحة، مصداقا لقول لله جل وعلا: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طـه:82]، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
• بادري وسارعي في التوبة الصادقة النصوح من جميع الذنوب والخطايا، وعلى رأس ذلك التهاون بحق الصلاة.
• اختاري الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة التي تعينك على طاعة الله، وعلى البر والتقوى والالتزام بالصلاة، وتذكرك بتقصيرك، وترشدك وتنصحك وتعرِّفُك بأخطائك وذنوبك، فالمسلم مع المسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
• بادري إلى أداء الصلاة في أول وقتها، وبمجرد سماع الأذان إستحضري عظمة الله وأنه أكبر من كل ما يشغلك عنه وعن ذكره وقتها، وإستشعري هيبة الآذان ورددي مع المؤذن، وتذوَّقي كل معنى في الآذان، وتوجَّهي بكل مشاعرك وجوارحك للقيام والوضوء والوقوف بين يدي الله، الأكبر من إهتماماتك وإنشغالاتك، وإستحضري بقلبك وعقلك وجوارحك رهبة الموقف بين يدي الله، حينها ستسكن نفسك وتخشع، ويسري هذا الخشوع لروحك وفقلبك وعقلك وسائر جوارحك، وينتقل بك لحالة من التخلي والسمو عن كل إرتباط أو قيمة تصِلُكِ بالدنيا وملذاتها، فتصغر في عينيك، فلا إعتبار إلا لقيمة واحدة هي قيمة العبادة ولذتها قياما وركوعا وسجودا وقراءة وتكبيرا وتعظيما ودعاء لله رب العالمين، وحينها تنقطع حبائل الشيطان، ويظل حبل الله المتين يصلك بصلاتك وسائر عباداتك.
وختاما أقول: إن هذه الأسباب وغيرها كافية لتقوي بنفسك الرغبة على فعل الخيرات، والإقبال على الصلاة والطاعات، فتجد روحك الحائرة طريقها المستقيم، ويعرف قلبك لذة العبادة، وهي معالم بطريقك تساعدك على أن تُحافظي على صلاتك، لأنها سبب فلاحك ونجاحك ونجاتك في الدنيا والآخرة، ويكفيك أن تكوني في زمرة من قال: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]، وأن تكوني في زمرة من أثنى الله عليهم في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ*الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9-11]، وقال تعالى: {وَالّذِينَ هُمْ عَلَىَ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أُوْلَـَئِكَ فِي جَنّاتٍ مّكْرَمُونَ} [المعارج:34-35]
حينها تصبحي وتمسي وليس لك همٌّ في قولك أو فعلك وغاياتك كلها إلا الله وحده، فيصفو قلبك لمحبته، ولسانك لذكره، وجوارحك لطاعته، فتتحول حياتك كلها لله، وتذكَّري أن من شغلته دنياه عن صلاته وعبادته وذكره لله، أصبح وأمسى والدنيا همه، ووكَّله الله إلى نفسه وشغله عن محبته بمحبة ما سواه، وعن ذكره بذكر ما سواه، وسخر جوارحه لعبودية ما سواه، فصرفه عن طاعته، فلا يلبث يكدح في الدنيا بلا أهداف ولا غايات، مبتلى بعبودية الهوى والشهوات والمادة والمخلوقات.
أجاب عنها: صفية الودغيري.
المصدر: موقع المحتسب.